ضمان جودة التعلم عبر الإنترنت في مجال التعليم العالي يتطلب في المقام الأول رؤية مؤسسية يصاحبها الالتزام و القيادة، و التخطيط السليم، مع وجوب ضمان توفر ذلك عند الشركاء. سياسة التعلم عبر الإنترنت يجب أن تتوافق مع الرؤية الشاملة للمؤسسة والمهام والخدمات التي يقدمونها. يجب على القادة والمديرين أن يكونوا قادرين على تفسير أسباب اختيار التعلم عبر الإنترنت باعتبارها استراتيجية تعليمية مناسبة للطلاب الذين يخدمونهم. ينبغي أن تشمل عناصر التعليم عبر الإنترنت مكونات الجودة التي تم تحديدها في الجزء الأول من هذه التدوينة. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج المؤسسات إلى الامتثال للوائح التي تحكم التعلم على الإنترنت وضمان أن تنعكس في السياسات والممارسات.
ولضمان جودة التعليم الإلكتروني فلابد من ضمان أمن الامتحانات عبر عدة تقنيات مثل الكاميرات الشبكية (Web Cameras) وتحديد الهوية إلكترونيًّا، وقارئ البصمة لتحديد الهوية (Biometric Authentication)، واستخدام البرامج الجديدة لأمن الامتحانات، التي تكشف عمليات انتحال الشخصية (Plagiarism)، كما يمكن تصميم عملية التقييم الإلكترونية بطريقة تساعد في تقليل عملية الاحتيال عبر تغيير طبيعة وتكرار الواجبات وتقسيم المهام إلى أجزاء؛ ما يتطلب تقديم أكثر من حل.
وقد أشار برنامج إطار ضمان الجودة لرابطة الجامعات الآسيوية المفتوحة (Assurance Framework of the Asian Association of Open Universities AAOU) إلى مجالات أساسية لعملية التطوير المهني لتحضير الكادر الأكاديمي للتعليم الإلكتروني، والتي تمثلت في:
- التأكد من أن الخطط الاستراتيجية والتشغيلية للمؤسسة التعليمة تعزز وتدعم استخدام التقنيات وتسهل عملية التعلم والتعليم.
- التأكد من تماشى الخطط المحددة باستخدام تكنولوجيات التعلم والتعليم مع استراتيجية المؤسسة والخطط التشغيلية لها.
- التخطيط لتقنيات التعلم والتعليم يتماشى مع الميزانية.
- التأكد من أن سياسات المؤسسة تحدد استخدام التكنولوجيات لدعم التعلم والتعليم وتضمن تغطية جميع الجوانب والتوافق مع وجهات النظر لأصحاب المصلحة.
- العمل على نشر وتعميم السياسات والتأكد من إدراكها من قبل المعلمين والمتعلمين ومتابعة تطبيقها.
- امتلاك أليات لتقييم التعلم والتعليم مرتبطة بتقنيات تكنولوجية تضمن التمثيل من أصحاب المصلحة الرئيسيين.
- امتلاك هياكل إدارية واضحة تحدد المسؤوليات والسلطة.
- اتخاذ القرارات بشأن اعتماد التكنولوجيا الجديدة ضمن أطر السياسة الحالية.
تطوير الموظفين و أعضاء هيئة التدريس في مختلف المجالات المتصلة بالتعلم عبر الإنترنت أمر حيوي لضمان الجودة أيضا. في نهاية المطاف، هيئة التدريس هم الذين يقع على كاهلهم مهمة التأكد من أن تصميم برنامجهم الدراسي وأساليب التدريس والتعلم تضمن توفير الجودة على الإنترنت. جامعات مختلفة تعتمد مقاربات مختلفة لتنمية قدرات الموظفين في دعم التعلم عبر الإنترنت. على سبيل المثال، في جامعة جنوب أفريقيا (UNISA) University of South Africa والتي تعد أكبر مؤسسة للتعليم عن بعد مفتوحة في أفريقيا، تمتلك وحدة متخصصة لتطوير المناهج الدراسية وتوفير فرص التعلم المستمر للمحاضرين في مختلف المجالات، كما أن هذه الوحدة مسؤولة أيضا عن ضمان الجودة في المؤسسة.
.
ينبغي النظر إلى المجالات الرئيسية التالية و أخذها بعين الاعتبار عند التفكير في خطط التطوير المهني لأعضاء هيئة التدريس من أجل التعلم عبر الإنترنت:
- وضع منهجيات لتعزيز خبرات التعلم التفاعلية.
- تطوير المواد التعليمية.
- معرفة جيدة حول التطورات التكنولوجية الجديدة، فضلا عن استخدام مزيج من التقنيات.
- تسويق الدورات على الإنترنت.
- ضمان توافر المساعدة الكافية لتسهيل التعلم.
- استراتيجيات تقييم عملية التعلم عبر الإنترنت ومخرجات التعليم عبر الإنترنت.
- معرفة جيدة ببعض العمليات التقنية (مثل دمج تطبيقات الوسائط المتعددة) لدعم وتوجيه المتعلمين.
- القدرة على دعم العمل، وخاصة فيما يتصل بتصميم الدورات.
- التأكد من أن أعضاء هيئة التدريس لديهم شبكة معرفية تستطيع تقديم خدمات الدعم الطلابية.
- التأكد من أن الكلية أو الجامعة على دراية بالسياسات المؤسسية الهامة والإجراءات الإدارية.
.
الهياكل المؤسسية والموارد البشرية اللازمة لضمان الجودة في التعلم عبر الإنترنت.
ضمان الجودة يتطلب هياكل مؤسساتية فعالة وعلى قدر عالٍ من الكفاءة. ومع ذلك، يجب أن لا نفترض أن إنشاء هياكل مؤسساتية سيحسن من الجودة تلقائيا. يجب التمييز بين إجراءات ضمان الجودة، والتي يمكن أن تصبح بسهولة ركيزة لينة، والجهود الحقيقية لتعزيز الجودة.
على سبيل المثال، تقييم الدورة، على الرغم من أنه متطلب أساسي إلا أن ذلك ليس كافياً، فتحسين الجودة لا يتم إلا عندما تنعكس الدروس المستفادة من التقييم في الطرح التالي للدورة. البناء المؤسساتي وعمليات ضمان الجودة المؤسسية مهمة، ولكن الأهم هو عدم جعلها ممارسة مرتبطة بالامتثال والمساءلة، بدلا من الالتزام بها كعملية تعلم وتحسين ذاتي تقود إلى تعلم يتميز بالجودة الفعلية.
المؤسسات بحاجة إلى الاطلاع على تجارب المؤسسات الأخرى والتي قطعت شوطاً في هذا المضمار وذلك لضمان الجودة؛ والتي في كثير من الأحيان يكون لديها مكتب أو وحدة أو قسم مكرس لضمان الجودة، يختلف حجمه ونطاقه تبعا لطبيعة المؤسسة. هذه الأقسام عادة ما تقوم بتنسيق عمليات تدقيق الجودة والاعتماد في البرنامج، وفي بعض الأحيان تكون هي أيضا المسؤولة عن تقييم الدورات والبحوث والقياس واحتساب مؤشرات الأداء الرئيسية (KPI) لإخراج التقارير حول جودة العمل. ولكن في المقابل بعض المؤسسات تضع هذه المهمة ضمن مسئولية أعضاء هيئة التدريس أو القسم. في النهاية أيا كان المسئول عن رصد وتقييم نوعية العمل والجودة التي يتم بها لابد من توثيق للعمليات والنتائج وتحديد المسئوليات بوضوح وامتلاك سلطات لاتخاذ القرار المناسب؛ فبدون صلاحيات صنع القرار، يمكن أن تصبح مثل هذه العمليات مجرد ثقافة للامتثال.
.
ما هي الموارد التي يجب تخصيصها لتطوير جودة التعلم عبر الإنترنت؟
المؤسسات التي لا توظف نهج فعال لتكلفة التعلم عبر الإنترنت لابد أن تواجهها الكثير من العراقيل للإنجاز بكامل طاقتها الإنتاجية. الفاعلية من حيث التكلفة تعني إنشاء العمليات الأساسية اللازمة للحفاظ على التعلم الإلكتروني وإدامتها، وعدم كفاية الموارد والإدارة المالية سوف يؤثر سلباً في جودة التعلم الإلكتروني.
ترتبط تكلفة التعليم عبر الإنترنت بخمس مؤثرات وهي ما يطلق عليها مسببات التكلفة أو محركات التكلفة cost drivers تؤثر هذه العوامل في التكلفة بمعنى أن التغير في محرك التكلفة يسبب التغير في إجمالي التكلفة المرتبطة والمتعلقة بغرض التكلفة. وتتمثل هذه المحركات في: التخطيط ، والتصميم والتطوير، والتسليم، والصيانة، والنفقات الغير مباشرة.
جزء كبير من التكاليف غير المباشرة تستنزفه البنية التحتية للتكنولوجيا المستخدمة مثل الأنظمة الصوتية وتخزين المعلومات والوصول إلى الدورات وكل هذه عناصر حاسمة في الجودة.
وقت الموظفين وخبرتهم هي المحرك الأكبر للتكلفة، ولكنه أيضا عاملاً رئيسيا لجودة التعلم عبر الإنترنت. الانتقال من التعليم المباشر وجها لوجه إلى التعليم عبر الإنترنت يتطلب تحولا في استخدام وقت الموظفين حيث سيصبح الجزء الأقل في العرض والجزء الأكبر من الوقت في التخطيط والتصميم والتطوير.
يجب أن تستند القرارات المتعلقة بتخصيص الموارد لتطوير جودة التعلم عبر الإنترنت على خطط عمل سليمة وتقديرات التكلفة.
توفر بوابة التعلم الإلكتروني في أونتاريو للكادر الأكاديمي والمدرسين (The Ontario Online Learning Portal for Faculty and Instructors) قائمة تضم أكثر 10 عوامل مؤثرة في تكاليف التعلم الإلكتروني موجهة لأعضاء هيئة التدريس والمدربين والتي تمثلت في العناصر التالية:
- عدد الساعات المطلوبة لإعداد المادة التدريسية وتطويرها
- عدد الساعات المطلوبة لتدريس المادة
- عدد الطلاب الملتحقين بالدورة
- نسبة المعلمين إلى الطلاب (السعة الصفية)
- جدول أجور المدربين (تثبيت نسبة لأعضاء هيئة التدريس والمساعدين)
- طريقة تصميم المادة التدريبية وإعدادها وطرق تقديمها
- طرق التدريس المستخدمة، من حيث المنهجية البنائية والموضوعية
- اختيار التكنولوجيا التي سيتم تقديم المادة من خلالها مثل: تسجيل المحاضرات، نظام إدارة التعلم LMS ، تقييم الدورة ونتائجها
- عملية تقييم المادة ومخرجاتها
- التكاليف العامة مثل التكاليف الإدارية، وتكاليف الشبكة... الخ
.
كيف يمكن للطلاب الحكم على جودة الدورات على الإنترنت؟
وجهة نظر الطالب تمثل جانبا هاما من جوانب ضمان الجودة للتعلم عبر الإنترنت. التعلم عبر الإنترنت يجب ألا يكون مجرد مادة يتم تسليمها ببساطة لطالب سلبي. جودة التعليم عبر الإنترنت تتمثل من خلال عملية الإنتاج المشترك بين المتعلم والبيئة التعليمية.
هناك سؤالين عادة هي ما يتم توجههما لتقييم الطلاب لجودة التعلم وهما:
- ما هي السمات الأكثر أهمية التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند البحث عن تعليم إلكتروني ذي جودة؟
- من هم مقدمو التعلم عبر الإنترنت الذين يمتازون بالأداء الأفضل والسعر المعقول؟
عند إصدار أحكام على جودة التعلم الإلكتروني، يجب على الطلاب النظر في أبعاد الجودة في التعلم عبر الإنترنت والتي تقدمها المعايير الصادرة من مؤسسات موثوقة وتمتاز بالسمعة الحسنة في هذا المجال. من أهم العوامل التي أشار الطلاب إلى استخدامها للحكم على جودة التعلم الإلكتروني ما يلي:
(1) توفير الدعم التعليمي باستخدام مجموعة متنوعة من وسائل الإعلام للاتصال والتواصل
(2) الطريقة والسياق الذي تتم فيه عملية المشاركة والاتصال
(3) المعايير التقنية، وهي عامل مهم بالنسبة للطلاب فحيث لا تتوافر معايير تقنية تقابل احتياجاتهم تتولد لديهم تجربة سلبية للغاية نحو الدورة
(4) تقييم قيمة التكاليف وتوقعات الطلاب للقيمة التي ستضيفها الدورة، فالطلاب يقارنون التكلفة بالعائد عند الحكم على جودة التعلم الإلكتروني
(5) الشفافية وتوافر المعلومات عن الدورة والمؤسسة التي تقدم المادة التعليمية
(6) بناء المادة ومرونتها
(7) نوع الإعداد الذي يتضمن المخرجات والمحتوى ومنهجية التعليم والمواد المتاحة على الإنترنت.
.
كيف لبنية البيئة الافتراضية تسهيل جودة التعلم عبر الإنترنت؟
بيئات التعلم الافتراضية تتكون من مجموعة واسعة من الأدوات، بما في ذلك: محركات البحث، والاتصالات الصوتية عبر الإنترنت، والرسائل الفورية، والدردشة ، ورسائل البريد الإلكتروني، والمدونات، ومنصات الشبكات الاجتماعية، ومنصات الفيديو كونفرنس. كما أن حلول التعلم الإلكتروني توفر بيئة تفاعلية متكاملة لإدارة العملية التعليمية؛ والتي تزود الكادر التعليمي بأحدث الحلول المصممة خصيصاً لتلائم أساليب التدريس والتدريب الحديثة.
ملفات الإنجاز أو المحفظة الإلكترونية e-portfolio تعد أداة تقويمية موضوعية وفاعلة يمكن الاعتماد عليها في تقويم أداء المعلم وفقاً لمعايير دولية ومحلية بدلاً من الطرق الذاتية التي كانت تتخذ حتى وقت قريب في تقويمه. ملفات الإنجاز الإلكتروني E-Portfolio تساعد الطلاب على أرشفة تعلمهم وتساعدهم على التعلم والاكتشاف والتقدم والإنجاز والتفكير. كما أن
الشيربوينت SharePoint يسهل عملية التعلم والتواصل عبر الإنترنت حيث أنه يمثل المنصة الأكثر مرونة لتطبيقات الويب، لما يتمتع به من مزايا تسمح بتطوير ونشر كل شيء ابتداءً من الـ web parts المستقلة وانتهاءً بمشاريع الويب الكبيرة. كما تكمن أهمية نظام الشيربوينت في المواقع التي تخدم احتياجات الطلاب أو الهيئة التدريسية ضمن منظمة أو مؤسسة ما.
وحديثاً بدأت شركات صناعة الألعاب تتجه للعمل في البيئات الافتراضية، والإمكانات التعليمية من الألعاب تبدو الآن واضحة على نحو متزايد.
بيئات التعلم الافتراضية تقدم العديد من الاحتمالات ولكن أيضا هناك الكثير من المزالق المحتملة، وخاصة عند محاولة نقل طرق التدريس التقليدية إلى بيئات افتراضية. بيئات التعلم الافتراضية غالبا لا تستخدم طرق ابتكارية بالشكل الذي يجب أن تكون عليه،
بالرغم من أن لديهم إمكانات كبيرة، لابد لمصممي التعلم عبر الإنترنت اختيار مكونات بيئة التعلم الافتراضية بعناية، واضعة في اعتبارها الاحتياجات والأوضاع الحياتية للطلاب على سبيل المثال، قد يكون المتعلمين الأكبر سنا في حاجة إلى دعم إضافي في التعليم في البيئات الافتراضية.
ومع ذلك، العمر ليس عائقا أمام التعلم عبر الإنترنت، فقد أظهرت الأبحاث أن جميع الطلاب يمكن أن يتعلموا جيدا من خلال التقنية، وهذا ينافي مفاهيم الفجوة والفصل بين الأجيال وتسمية البعض منهم بالجيل الرقمي، فالكل اليوم رقمي...
موضوع جودة التعليم عبر الإنترنت هو موضوع كبير وواسع، نظرا لتشعب القضايا المرتبطة به، وسنبذل جهدنا لاحقاً لتغطية جوانب أخري من هذا الموضوع، هي بذات الأهمية والجوانب التي تم طرحها في هاتين التدوينتين...
إعداد: هيـام حـايك – كاتبة بمدونة نسيــج
المصادر: Tonybates