في ظل الإقبال المتزايد على المصادر الإلكترونية، تجد المكتبات الأكاديمية نفسها أمام تحدٍ متصاعد لإثبات قيمتها وتوسيع نطاق تأثيرها. ورغم أن المكتبات منارات للمعرفة ومراكز أساسية لدعم التعليم والبحث، إلا أن العديد من المكتبات الأكاديمية يعاني من ضعف الوعي المجتمعي بخدماتها الغنية ومواردها المتنوعة. لذا، يصبح تعزيز حضور المكتبات ضرورة ملحة لضمان استفادة الطلاب والباحثين من مواردها القيّمة التي قد تظل غير مستغلة بالشكل الكافي. في هذا المقال، سنناقش أبرز الأساليب الحديثة والمبتكرة التي يمكن أن تعتمدها المكتبات الأكاديمية لتعزيز رؤيتها وزيادة تأثيرها في البيئة التعليمية، مع الاستفادة من أفضل التجارب والممارسات في هذا المجال.
1- التعاون مع أعضاء هيئة التدريس والمؤسسات الأكاديمية
يلعب تعاون المكتبات الأكاديمية مع أعضاء هيئة التدريس والشراكة مع الجامعات والمعاهد البحثية دورًا جوهريًا في تعزيز حضور المكتبة وتفاعل المجتمع الأكاديمي معها. وفي هذا السياق يقول مايكل ليفين-كلارك، عميد مكتبات جامعة دنفر، "عندما تظهر المكتبة كشريك فعّال في تلبية احتياجات المؤسسة وحل المشكلات الصعبة، فإنها تصبح جزءًا دائمًا من النقاشات الأساسية وتحصل على الموارد والدعم اللازمين." من خلال هذه الشراكة ، تستطيع المكتبات تطوير دورات تدريبية حول الأدوات الرقمية مثل EndNote وZotero . كما يمكن للمكتبة التعاون مع مكتب شؤون الطلاب لتنظيم جلسات تعريفية للطلاب الجدد وتقديم محاضرات حول محو الأمية المعلوماتية والبحث الفعال، وإدارة الاستشهادات . بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمكتبة تطوير أدلة بحثية مخصصة لمقررات دراسية معينة بالتعاون مع أعضاء هيئة التدريس، وإنشاء مكتبات رقمية تدعم المناهج الأكاديمية، وتعزز حضور المؤسسة الأكاديمية وزيادة تأثيرها في البيئة التعليمية. من ناحية أخرى، يقول جون كوتون دانا، أمين المكتبات الامريكى الشهير : "من خلال تنظيم الفعاليات وورش العمل، يمكن للمكتبات أن تصبح مراكز حيوية للتعلم والتفاعل المجتمعي". هذه الورش تساعد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على تطوير مهاراتهم البحثية وفهم كيفية استخدام الموارد الأكاديمية بفعالية. كما أن تنظيم فعاليات مثل المؤتمرات العلمية والمحادثات الأكاديمية والمعارض يعزز التفاعل مع الطلاب والباحثين. هذه الفعاليات توفر منصة للتبادل الأكاديمي والنقاش، مما يعزز من حضور المكتبة كمركز للنشاط الأكاديمي. على سبيل المثال، يمكن للمكتبة استضافة مؤتمرات علمية تجمع الباحثين من مختلف التخصصات لمناقشة أحدث الأبحاث والتطورات في مجالاتهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تنظيم محادثات أكاديمية حيث يتم دعوة خبراء لإلقاء محاضرات حول موضوعات محددة، مما يوفر للطلاب والباحثين فرصة للتعلم والتفاعل مع الخبراء في مجالاتهم.
تسويق المكتبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية
"المحتوى هو النار، ووسائل التواصل الاجتماعي هي البنزين." هذا الاقتباس كما يقول Jay Baer، المؤلف والمتحدث الشهير، يوضح بجلاء كيف يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تضاعف تأثير المحتوى الذي تقدمه المكتبة وتزيد من انتشاره بشكل كبير. تستطيع المكتبات تعزيز جهودها من خلال دمج استراتيجيات التسويق الرقمي مثل البريد الإلكتروني والإعلانات الرقمية. على سبيل المثال، يمكن للمكتبات إرسال نشرات إخبارية تحتوي على تفاصيل حول الفعاليات القادمة، الموارد الجديدة، والخدمات المتاحة، مما يبقي المستخدمين على اطلاع دائم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الإعلانات الرقمية للوصول إلى جمهور أوسع وزيادة الوعي بخدمات المكتبة، حيث أن التفاعل المباشر مع المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي يلعب أيضًا دورًا كبيرًا في بناء علاقات قوية مع المجتمع الأكاديمي،حيث يؤكد ديفيد ألستون، المؤلف وخبير وسائل التواصل الاجتماعي، على أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد وسيلة إعلامية، المفتاح هو الاستماع، التفاعل، وبناء العلاقات." من خلال الاستماع لاحتياجات المستخدمين والتفاعل معهم بشكل فعّال، يمكن للمكتبات تعزيز الروابط مع جمهورها وتلبية احتياجاتهم بشكل أفضل.
2- تقديم المساعدة البحثية والتدريب على مهارات البحث المعلوماتي
يقول الكاتب الشهير نيل جايمان : "يمكن لجوجل أن يقدم لك 100,000 إجابة، لكن أمين المكتبة يمكنه أن يقدم لك الإجابة الصحيحة". هذه المقولة تبرز أهمية الدور الذي يلعبه أمناء المكتبات في توجيه الباحثين نحو المعلومات الأكثر دقة وملاءمة. من ناحية أخري يساعد تقديم استشارات بحثية شخصية أو افتراضية وبرامج تدريبية حول مهارات البحث المعلوماتي الطلاب والباحثين على الاستفادة القصوى من موارد المكتبة، مما يعزز من ارتباطهم بها على المدى الطويل.
تقديم المساعدة البحثية يمكن أن يتضمن جلسات استشارية فردية حيث يساعد أمناء المكتبات الطلاب والباحثين في تحديد المصادر المناسبة لمشاريعهم البحثية، وتطوير استراتيجيات بحث فعالة، وتقييم جودة المصادر. هذه الجلسات يمكن أن تكون حضورية أو عبر الإنترنت، مما يوفر مرونة أكبر للمستخدمين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تنظيم برامج تدريبية حول كيفية استخدام قواعد البيانات الأكاديمية، وتطوير استراتيجيات البحث المتقدمة، وإدارة الاستشهادات. هذه البرامج تساعد الطلاب والباحثين على تحسين كفاءتهم البحثية وزيادة إنتاجيتهم الأكاديمية.
3- التحول الرقمي وتعزيز الوصول المفتوح
في سياق تعزيز حضور المكتبات الأكاديمية، أصبح التحول الرقمي أداة حيوية لتمكين هذه المكتبات من مواكبة التطورات السريعة في البيئة المعلوماتية وتلبية احتياجات المستخدمين الحديثة والمتزايدة. يتطلب هذا التحول إعادة تصميم للهياكل التنظيمية وسير العمل بما يتناسب مع العصر الرقمي، حيث يشمل ذلك رقمنة العمليات الأساسية مثل تقديم الأبحاث، والتحرير، ومراجعة الأقران، مما يسهم في تقديم خدمات أكثر كفاءة وسرعة تتلاءم مع طبيعة المجتمع الأكاديمي.
أحد العناصر الأساسية في هذا التحول هو تعزيز الوصول المفتوح، الذي يهدف إلى تحسين الوصول إلى نتائج الأبحاث بشكل أكبر ودعم الأنشطة المهنية المستمرة. من خلال تسهيل الوصول المفتوح، تستطيع المكتبات توفير بيئة معرفية شاملة، مما يعزز من دورها في نشر المعرفة وتطوير المهارات البحثية لدى الطلاب والباحثين. كما أن توظيف التقنيات الحديثة مثل منصات إدارة التعلم (LMP) يعد خطوة كبيرة في تحسين عرض الأبحاث وتقديم تجارب تعليمية غامرة تسهم في إشراك المستخدمين بطرق تفاعلية. وقد أثبتت "نسيج للتقنية" ريادتها في هذا المجال من خلال توفير حلول LMP المصممة لتلبية احتياجات المكتبات والمؤسسات الأكاديمية، حيث تتيح هذه الأنظمة للمكتبات دمج التعلم الرقمي ضمن خدماتها، مما يعزز من تجربة التعليم المتجددة.
هذا التطور الاستراتيجي لا يسهم فقط في تعزيز حضور المكتبات الأكاديمية، بل يمكّنها من بناء روابط أقوى مع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وتقديم دعم فعّال للبحث والتعليم الأكاديمي.
4- تحسين تجربة المستخدم داخل المكتبة
في عالم تتزايد فيه التوقعات نحو تجارب رقمية سلسة، أصبحت المكتبات الأكاديمية مدفوعة بتلبية تطلعات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين اعتادوا على تجارب رقمية مريحة في حياتهم اليومية. تلبية هذا المستوى من الراحة وسهولة الوصول داخل المكتبة لا يعزز من حضورها فحسب، بل يرسخ أيضًا دورها كمركز معرفي متكامل في البيئة الأكاديمية.
هنا تبرز منصة مداد لخدمات المكتبات(MEDAD LSP)، الحل السحابي المتكامل من نسيج للتقنية، كخيار مثالي يمكّن المكتبات من إدارة مجموعاتها المادية والرقمية والإلكترونية بكفاءة عبر بوابة موحدة. تتيح منصة "مداد" للمكتبات تقديم تجربة مستخدم سلسة ومتكاملة، تلبي توقعات المستخدمين المتمرسين في التكنولوجيا، وتوفر ميزات متقدمة للزوار، مع تعزيز إنتاجية الموظفين من خلال أدوات إدارية وتحليلية تساعد في اتخاذ قرارات استراتيجية مستنيرة.
كما أن إنشاء مساحات للدراسة الفردية والجماعية، وتقديم أدوات رقمية متقدمة،إلى جانب توفير بيئات تعليمية مريحة ومرافق محدثة يجذب الباحثين والطلاب ويعزز من تجربة المستخدم ويشجع على استخدام المكتبة بشكل متكرر. على سبيل المثال، يمكن للمكتبات إنشاء مساحات دراسة مرنة تتضمن مناطق هادئة للدراسة الفردية وأخرى مخصصة للعمل الجماعي. هذه المساحات يمكن أن تكون مجهزة بأثاث مريح، إضاءة جيدة، ومنافذ كهربائية كافية لشحن الأجهزة الإلكترونية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمكتبات تقديم أدوات رقمية متقدمة مثل شاشات تفاعلية، أجهزة عرض، وأجهزة كمبيوتر حديثة مزودة ببرامج متخصصة تدعم البحث الأكاديمي. هذه الأدوات تساعد الطلاب والباحثين على إنجاز أعمالهم بكفاءة أكبر وتوفر لهم الموارد اللازمة لإجراء أبحاثهم.
من خلال هذه التحسينات، يمكن للمكتبات الأكاديمية أن تعزز من حضورها وتزيد من تأثيرها في البيئة التعليمية، مما يسهم في تحقيق أهدافها الأكاديمية والبحثية بشكل أكثر فعالية
5- تسليط الضوء على التكنولوجيا والابتكار
تعريف المستخدمين بالتكنولوجيا المتاحة داخل المكتبة، مثل الموارد الرقمية، مساحات الابتكار (Maker Spaces)، والأدوات المتقدمة، يعزز من جاذبية المكتبة ويظهر مدى دورها في دعم البحث والمشاريع الإبداعية. وفي هذا السياق يمكن لمساحات الابتكار مثل Maker Spaces أن يكون لها تأثير كبير في جذب الطلاب والباحثين. هذه المساحات توفر الأدوات والتكنولوجيا اللازمة لتطوير المشاريع الإبداعية، مثل الطابعات ثلاثية الأبعاد، وأدوات البرمجة، وأجهزة الواقع الافتراضي. كما يمكن للمكتبات تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية حول كيفية استخدام هذه الأدوات، مما يساعد المستخدمين على تطوير مهارات جديدة واستكشاف إمكانيات جديدة في البحث والإبداع.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمكتبات تقديم موارد رقمية متقدمة مثل قواعد البيانات الأكاديمية، الكتب الإلكترونية، والمجلات العلمية. هذه الموارد توفر للباحثين والطلاب إمكانية الوصول إلى معلومات حديثة وموثوقة بسهولة. .
6- جمع التغذية الراجعة وتحسين الخدمات بناءً على احتياجات المجتمع
جمع التغذية الراجعة وتحسين الخدمات بناءً على احتياجات المجتمع هو عنصر أساسي في تعزيز حضور المكتبات الأكاديمية وزيادة استخدامها. من خلال إنشاء قنوات للتفاعل مع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، مثل الاستطلاعات وصناديق الاقتراحات، يمكن توفير رؤى قيمة حول كيفية تحسين الخدمات. على سبيل المثال، يمكن للمكتبات إجراء استطلاعات دورية لقياس رضا المستخدمين عن الخدمات المقدمة وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تنظيم جلسات نقاش مفتوحة مع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس لمناقشة احتياجاتهم وتوقعاتهم من المكتبة. هذه الجلسات توفر فرصة للتفاعل المباشر وتبادل الأفكار، مما يساعد في بناء علاقة قوية بين المكتبة والمجتمع الأكاديمي.
العمل على تلبية احتياجات المجتمع الأكاديمي يعزز من حضور المكتبة ويزيد من استخدامها. على سبيل المثال، إذا أظهرت التغذية الراجعة حاجة إلى موارد معينة أو ساعات عمل أطول، يمكن للمكتبة العمل على تلبية هذه الاحتياجات لتحسين رضا المستخدمين. كما أن تنفيذ التحسينات بناءً على ملاحظات المستخدمين يظهر التزام المكتبة بتقديم خدمات عالية الجودة تلبي توقعات المجتمع الأكاديمي.
من خلال هذه الجهود، يمكن للمكتبات الأكاديمية أن تعزز من رؤيتها وتزيد من تأثيرها في البيئة التعليمية، مما يسهم في تحقيق أهدافها الأكاديمية والبحثية بشكل أكثر فعالية.
خلاصة القول: في عصر الرقمنة والابتكار، أصبح من الضروري أن تتبنى المكتبات الأكاديمية استراتيجيات مبتكرة لتحسين رؤيتها وتفاعلها مع جمهورها. من خلال التحول الرقمي، الشراكات الأكاديمية، التسويق الرقمي، والاهتمام بتطوير تجربة المستخدم، تستطيع المكتبات أن تظل مركزًا محوريًا للبحث والتعليم. وفي هذا يقول "رالف والدو إيمرسون":
"المعرفة هي القوة التي تدفع عجلة التقدم، والمكتبات هي قلاع هذه القوة."