library management & Higher Education blog Naseej Academy Naseej Academy Send Mail

عن مدونة نسيج

تهدف مدونة نسيج الى توفير مساحات تشاركيه تتسع لكل المتخصصين والمهتمين بكل ما هو جديد في مجال المكتبات والتعليم العالي والتعلم عن بعد وتقنيات المعلومات والاتصالات وتقنيات الأرشفة وحلول المعرفة المتقدمة في التعليم العالي، المكتبات، ومراكز الأبحاث.

سجل هنـا لتصلك أحدث التدوينات
أكاديمية نسـيج على الفيسبوك 
 
 

مقــالات حديثة

مكتبات 2030: التعليم، الثقافة، والتقنية في منظومة واحدة

نُـشر بواسطة هيام حايك on 11/05/2025 12:18:43 م

1744696202202-jpeg

لطالما كانت المكتبات رموزًا للعلم والثقافة، وأماكن يلتقي فيها الماضي بالحاضر. كانت الأرفف المليئة بالكتب هي بوابة الإنسان لاكتشاف العالم، من الفلسفة اليونانية إلى الطب الإسلامي. لكن في عصر الرقمنة والتكنولوجيا المتقدمة، لم يعد من الممكن أن تبقى المكتبة كما كانت. اليوم تتحوّل المكتبات إلى بيئة ذكية، تفاعلية، مرنة، تواكب احتياجات الجيل الجديد من القرّاء والباحثين.

نحن بالفعل نشهد تحولًا جذريًا في المفهوم التقليدي للمكتبة، وحيث لم يعد الذكاء الاصطناعي أداة ثانوية، بل أصبح العقل المدبّر داخل هذه المؤسسات. الواقع المعزز يغيّر طريقة التفاعل مع الكتب، من قراءة صامتة إلى تجربة بصرية حية. أما إنترنت الأشياء، فقد منح المكتبات قدرة على "الإحساس" والاستجابة. هذه التحولات ليست خيالًا علميًا، بل واقع نشهده الآن، ويزداد وضوحًا مع اقتراب 2030. في السعودية، تأتي هذه التغييرات ضمن رؤية وطنية شاملة تدمج التقنية بالتراث وتربط المواطن بالعالم.

الذكاء الاصطناعي: أمين المكتبة الذي لا ينام

تصوّر أنك تدخل إلى مكتبة، فلا تحتاج أن تبحث بين الفهارس، بل تسأل شاشة ذكية عن "تاريخ الفلك في الحضارة الإسلامية"، فتظهر لك توصيات دقيقة لكتب، مقالات، أفلام وثائقية، وحتى حلقات بودكاست تناسب مستوى معرفتك واهتماماتك. هذه هي قوة الذكاء الاصطناعي، الذي يعيد تعريف دور أمين المكتبة.

اليوم، تُطبّق المكتبات الرائدة عالميًا مثل مكتبة نيويورك العامة ومكتبة سنغافورة الوطنية أنظمة ذكاء اصطناعي متطورة لتحليل سلوك المستخدمين وتقديم توصيات مخصصة. على سبيل المثال، تستخدم مكتبة نيويورك خوارزميات تعلم آلي لفهم تفضيلات القراء بناءً على سجل البحث والاستعارة.

في السياق السعودي، أعلنت مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض عن تبنيها حلولًا ذكيةً مدعومةً بالذكاء الاصطناعي ضمن خطتها للتحول الرقمي، حيث تُحلل بيانات المستخدمين لتوجيههم تلقائيًا نحو المصادر الأكثر ملاءمةً لأهدافهم الأكاديمية. هذه الأنظمة لا تقتصر على التوصيات الثابتة، بل تتطور ديناميكيًا مع تفاعلات المستخدمين، مستفيدةً من تقنيات مثل التعلم المعمق لتحسين دقة النتائج مع مرور الوقت.

ولم يتوقف الأمر عند تسهيل الوصول للمعلومة، بل دخل الذكاء الاصطناعي مجال حفظ التراث. باستخدام تقنيات OCR والتعلم الآلي، تُرقمن آلاف المخطوطات العربية والإسلامية وتُصنّف تلقائيًا، مما يحميها من الضياع ويجعلها متاحة لكل من يطلبها، في أي وقت ومن أي مكان. هذا لا يعني فقط حفظ التاريخ، بل إعادة الحياة إليه عبر أدوات ذكية تجعل قراءته أسهل وأكثر عمقًا.

بحلول 2030، لن تكون المكتبة مكانًا تذهب إليه، بل مساعدًا معرفيًا يتنقّل معك في جيبك، قادرًا على تلبية احتياجاتك المعرفية قبل أن تدركها أنت بنفسك.

الواقع المعزز: القراءة تتحول إلى تجربة

القراءة لم تعد تجربة فردية على الورق، بل أصبحت نافذة على عوالم متعددة الأبعاد. الواقع المعزز يضيف طبقات تفاعلية للمحتوى المكتوب، حيث يمكن للقراء أن يروا، يسمعوا، ويتفاعلوا مع ما يقرؤون.

في جامعات سعودية مثل جامعة الملك سعود، بدأت المبادرات لتجريب الواقع المعزز في المكتبات الجامعية. يستطيع الطالب أن يستخدم هاتفه الذكي أو نظارات AR لعرض نماذج ثلاثية الأبعاد لمخطوطات، مواقع تاريخية، أو حتى شخصيات بارزة من التاريخ. تخيّل أن تقرأ عن المسجد الحرام، وفجأة يظهر مجسمه أمامك يمكنك الدوران حوله واستكشافه في بيئة ثلاثية الأبعاد.

هذه التقنية تفتح آفاقًا جديدة أمام العملية التعليمية، خصوصًا للجيل الرقمي الذي اعتاد على المحتوى البصري التفاعلي. بدلًا من حفظ التواريخ والمعلومات، يصبح بإمكان الطلاب "مشاهدة" التاريخ وهو يحدث أمامهم. وهذا بدوره يعزز التفاعل والفهم والاستيعاب، ويجعل المكتبة مكانًا للتجربة، لا للحفظ فقط.

في المستقبل القريب، قد تصبح زيارة مكتبة تاريخية افتراضية في بغداد أو قرطبة أمرًا ممكنًا وأنت جالس في منزلك، حيث تندمج التكنولوجيا مع التعليم بطريقة تجعل المعرفة حية، نابضة، ومثيرة.

إنترنت الأشياء: مكتبات تفكر وتستجيب

إنترنت الأشياء (IoT) يُحوّل المكتبة إلى كيان ذكي يتفاعل مع المستخدم لحظيًا. كل عنصر في المكتبة - من الأضواء إلى رفوف الكتب - يمكن أن يكون متصلاً بنظام مركزي يفهم ما يحدث ويتفاعل معه.

في العديد من المكتبات، بدأت تجارب استخدام الحساسات الذكية لتحديد أماكن الكتب، ومراقبة البيئة الداخلية مثل الإضاءة ودرجة الحرارة. إذا تم وضع كتاب في المكان الخطأ، تُرسل تنبيهًا للموظف المسؤول. وإذا تجاوزت عدد الزوار الحد الأمثل، تقوم الأنظمة تلقائيًا بتوزيعهم في مساحات مختلفة لضمان الراحة.

الرفوف الذكية قد تضيء عند مرورك بجانب الكتاب الذي تبحث عنه. تطبيق على هاتفك يرشدك إلى المكان الصحيح، ويقترح كتبًا شبيهة بما تحب. بل قد تُرسل لك المكتبة إشعارًا عند عودة كتاب كنت تنتظره منذ أشهر.

ومع تزايد الاعتماد على الأجهزة القابلة للارتداء (wearables)، قد يصبح بالإمكان التفاعل مع المكتبة عبر صوتك فقط، دون لمس أي شاشة. كل هذه التقنيات تعني تجربة أكثر راحة، كفاءة، وذكاء. السعودية تتبنى هذا التوجه عبر مشاريع مثل "مكتبة الرياض الرقمية" التي تسعى لربط كل مكتبة بمركز معلومات موحد يخدم الزوار بطريقة استباقية.

التعليم والثقافة: إعادة تعريف الدور الاجتماعي للمكتبات

المكتبات الجديدة ليست مجرد مخازن كتب، بل منصات تعليمية وثقافية شاملة. التقنيات الذكية تتيح للمكتبة أن تكون مدرسًا، مرشدًا، ومصدرًا معرفيًا في نفس الوقت. الطلاب في المناطق النائية يمكنهم الآن الوصول لمكتبات افتراضية فيها كل ما يحتاجونه دون الحاجة للانتقال الجغرافي.

على مستوى التعليم، توفر هذه المكتبات موارد أكاديمية رقمية متاحة للجميع. لم تعد المعرفة حكرًا على من يسكن بجانب جامعة، بل أصبحت في متناول يد أي طالب يملك جهازًا متصلاً بالإنترنت. الجامعات السعودية بدأت بالفعل في اعتماد هذه المنصات لإعطاء المحاضرات الافتراضية وتوفير مراجع بحثية رقمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

أما على المستوى الثقافي، فإن الواقع المعزز والرقمنة يساعدان على حفظ التراث وإعادة تقديمه بطريقة حديثة. المخطوطات القديمة التي كانت حبيسة الأرشيف أصبحت الآن متاحة للعرض والتفاعل، وهذا يشكل جسرًا بين الجيل الجديد وتاريخه. لم يعد الحفاظ على الهوية مسألة تقليدية، بل أصبح تجربة رقمية مثيرة تجذب الشباب وتُشعرهم بالانتماء.

التحديات: هل نحن جاهزون؟

رغم كل الوعود التي تقدمها التكنولوجيا، يبقى السؤال المطروح: هل نحن جاهزون فعلاً لهذا التحول؟
الانتقال إلى مكتبات ذكية لا يتعلق فقط بإضافة أجهزة وشاشات، بل ببناء بنية تحتية قوية ومستدامة، قادرة على دعم الأنظمة المعقدة مثل الذكاء الاصطناعي، الواقع المعزز، وإنترنت الأشياء.

هناك فجوة رقمية حقيقية، خاصة في المناطق البعيدة والنائية، حيث قد لا تتوافر تغطية إنترنت سريعة أو تجهيزات تقنية كافية. وهذا يضع تحديًا على الحكومات لضمان شمولية التحوّل، وعدم اقتصاره على المدن الكبرى.

ثم يأتي التحدي الأهم: العنصر البشري. فالموظفون الذين اعتادوا أن يكونوا أمناء رفوف، يحتاجون إلى إعادة تدريب ليصبحوا مديري بيانات ومشرفين على أنظمة ذكية. التحول الرقمي يتطلب تغيير الثقافة المؤسسية، لا مجرد شراء معدات جديدة.

ولا يمكن تجاهل أهمية الأمن السيبراني، خاصة مع تزايد استخدام قواعد البيانات الضخمة وحفظ بيانات المستخدمين. حماية هذه البيانات، وضمان عدم اختراق المحتوى الثقافي، مسألة مصيرية لأي مكتبة تسعى للتحول.

السعودية، بخططها لتطوير 153 مكتبة عامة بحلول 2030، تُظهر وعيًا واضحًا بهذه التحديات، وتتعامل معها بخطط واقعية تتضمن البنية، التدريب، والحوكمة الرقمية.

دور المؤسسات الخبيرة: شراكة تقود التحوّل

التحول إلى مكتبات ذكية لا يمكن أن يتم بمعزل عن المؤسسات الخبيرة في مجالات التكنولوجيا، إدارة البيانات، والتعليم الرقمي. فهذه الجهات لا تكتفي بتوفير البنية التحتية والأدوات التقنية، بل تسهم في وضع التصورات، تنفيذ الحلول، تدريب الكوادر، وضمان استمرارية التطوير.

في السعودية، تبرز هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) كمؤسسة محورية تقود التحوّل الرقمي الحكومي من خلال دعم مشاريع الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات على مستوى وطني. تقدم سدايا استشارات استراتيجية وتعمل على بناء أنظمة مركزية تساعد المؤسسات التعليمية والثقافية على تسريع التبني الرقمي، بما يشمل رقمنة الأرشيفات، تطوير أدوات البحث الذكية، وتعزيز الوصول المفتوح للمعرفة.

إلى جانب ذلك، تلعب شركة نسيج للتقنية دوراً ريادياً على مستوى المنطقة العربية، بصفتها الشركة الرائدة إقليميًا في تقديم حلول التحول الرقمي والمعرفي للمكتبات ومؤسسات التعليم العالي. تعمل نسيج على تطوير منصات متقدمة لإدارة المعرفة، وحلول سحابية، وخدمات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتوفير تجربة مُؤَقْلَمة للمستخدم، سواء كان طالبًا، باحثًا، أو أمين مكتبة."

خبرة نسيج الطويلة، وفهمها المعمق لاحتياجات المؤسسات الأكاديمية والثقافية، يجعلها فاعلًا رئيسًا في بناء مكتبات المستقبل، ليس فقط في السعودية، بل على امتداد المنطقة.

كل هذه الشراكات — بين الحكومة، القطاع الخاص، والمؤسسات الأكاديمية — تضمن أن لا يكون التحوّل إلى مكتبات ذكية ليس مجرّد توجه تقني، بل مشروع وطني مبني على أساس علمي ومتكامل، يُراعي جودة التجربة، أمن البيانات، واستدامة التطوير.

مكتبات 2030: تجربة تتجاوز الكتب

بحلول عام 2030، لن تكون المكتبة مجرد مكان نذهب إليه، بل بيئة معرفية تفاعلية نعيشها بكل حواسنا. الذكاء الاصطناعي سيكون مرشدًا شخصيًا، الواقع المعزز نافذة حية على التاريخ والثقافات، وإنترنت الأشياء سيجعل كل زيارة تجربة مصممة خصيصًا لك.

في السعودية، هذا التوجه يتحول إلى واقع، بدعم واضح من رؤية 2030 التي تضع المعرفة والتقنية في صميم مشروعها الوطني. وسواء كنت طالبًا، أو باحثًا، أو قارئًا هاويًا، فإن مكتبة المستقبل ليست بعيدة. إنها تُبنى الآن، وتنتظرك لتكون جزءًا منها.

 

Topics: الواقع المعزز في التعليم, المكتبات الذكية, التحول الرقمي في السعودية, الذكاء الاصطناعي في المكتبات, رؤية السعودية 2030, التحول الرقمي في التعليم