أحدثت البيئات الافتراضية والتي هي إحدى إفرازات عصر المعرفة والتكنولوجيا والاتصالات الكثير من التغيرات في جميع مناحي الحياة. ولم تكن النظم التربوية، بصفة عامة، بمنأى عن هذه التغيرات، بل نكاد نجذم أنها تحولت إلى مسرح لتلقي المعرفة، ونموها، وتحليلها، والربط بينها وبين تطبيقاتها المختلفة متمثلةً في مساحات تعليمية افتراضية تترأسها الحياة الثانية second life والتي لم تعد حكرا على المستخدمين النمطين، كما أنها ليست مجرد تقنية أو حاجة تشبع فضول مدمني الشبكات الاجتماعية.
وضعت شركة "غارتنر" خمس قوانين للمشاركة في العالم الافتراضي بالشكل النشط والذي يضيف قيمة حسب رؤيتها:
- القانون الأول: العوالم الافتراضية ليست لعبة، إلا أنها لا تمثل الشكل الموازي للكون حتى الآن.
- القانون الثاني: وراء كل شخصية افتراضية مجسدة (avatars) شخص حقيقي.
- القانون الثالث: موضوعية التواجد يعطي قيمة مضافة للعالم الافتراضي.
- القانون الرابع: ضرورة امتلاك الوعي الكافي لطبيعة التواجد في العالم الافتراضي والقدرة على احتواء الجانب السلبي.
- القانون الخامس: العالم الافتراضي التزامات طويلة الأمد.
يبدو من الواضح أن العوالم الافتراضية في أي شكل أو سياق كانت ستستخدم على نطاق واسع كأدوات للمعرفة و التفاعل الاجتماعي لتكمل جزءً آخر من نظم التقنية الاجتماعية المستخدمة في التعليم
والتعلم في المستقبل القريب. وهذا يؤكد حقيقة أن الأنظمة التربويّة تشهد تحوّلات كبيرة في العديد من مرتكزاتها و أسسها سواﺀ ما يتعلّق بمحتويات برامجها أو خياراتها البيداغوجيّة أو أنماطهـا التقييميّة. والتي ومما لاشك فيه يرجع مردها للنقلة المجتمعــيّة التي أحدثها التطوّر العــلميّ وخاصّة في جانــبه التكنولوجيّ.
فـي هذا الصدد يبدو أن البعض محقّا حـــين اعتبر "أنّ النقلة المجتمعيّة التي ستحدثها تكنولوجيا المعلومات ما هي في جوهرها إلّا نقلة تربويّة في المقام الأوّل. و بهذا المعنى فـإنّ البحث في العلاقة بين هذا المنتج العلمي و آثاره التربويّة و البيداغوجيّة هو في صميم رهانات النظم التربويّة و مشاريع المؤسّسات التعليمية. وأمام هذا الانفجار المعرفي الهائل والاقتحام التقني الكبير أصبح من الضروري لهذه المؤسسات أن تعيد النظر في وسائلها وتقنياتها بهدف تحسين المردود التعليمي ورفع كفاءته في ظل هذه البيئات التعليمية الجديدة التي أحدثها التطور التكنولوجي والتي باتت البيئات الافتراضية تفرض تواجدها عليه وتحقق فيه رواجا ثقافيا بين عامة السكان وتحديدا فئة الشباب على وجه الخصوص. فالمتابع للحراك الثقافي في الحياة الثانية سيرى وجود العديد، من المناطق الدراسية والكليات والجامعات على نحو متزايد كما سيلاحظ إنشاء المباني والجامعات الافتراضية والتي يتم فيها تقديم الدورات والمحاضرات، والمخيمات الصيفية، والمؤتمرات.
و نتيجة لهذا فإن الملاحظ هو زيادة الوعي المعرفي بين سكان العالم الافتراضي في البيئات المستهدفة – وإن كان بدرجات متفاوتة في المجالات التعليمية والتربوية. وعليه فإنّه يتحتّم من منظور تواصليّ بيداغوجيّ الأخذ بعين الاعتــبار تنــوّع هذه الاختلافات المعرفية و إحكام توظيفها.
بيئات التعلم الافتراضية: (A virtual learning environment (VLE))
هي أنظمة تهدف إلى دعم التعليم والتعلم من خلال إرساء بيئة تعليمة تحاكي البيئة التعليمية الحقيقية.
تعمل بيئة التعلم الافتراضية بشكل طبيعي عبر الإنترنت، مستفيدة من تطور هائل في تقنيات الاتصالات و انتشار خدمة الوصول السريعة للإنترنت وتسابق مزودي خدمات الإنترنت على تقديم العروض التنافسية للمشتركين وظهور خدمة الاتصال بالإنترنت عبر الهواتف المحمولة وتقنيات الـ Wifi والـ 3G. انتشار الآيفون و الآيباد، وغيرها من الأجهزة والتطبيقات التي جعلت العالم مرتبطًا بشكل كبير بكل ما هو تقني. كما ساهمت تطبيقات الويب 2.0 والويب 3.3 وما تقدمه من ميزات جديدة في هذه النظم والتطبيقات تشمل الويكي wikis، بلوق, blogs، آر إس إس , RSS وغيرها من مئات التطبيقات التي تتسم بالتفاعل والتواصل مثال الفيسبوك والتويتر إلا أن التطبيقات الأكثر استخداما في التعليم هي العوالم الافتراضية ثلاثية الأبعاد 3D virtual learning spaces والتي أوجدت نوعا جديدا من التعلم وبيئة تعلم افتراضية جديدة تجعل من التعليم تجربة أكثر تفاعلية.
التعليم في الحياة الثانية Learning in second life
أثَّرت نظرية التعليم البنائي الاجتماعي أو الفيجوتسكية Vygotskian - نسبة الي فيجوتسكي Vygotsky رائد هذه المدرسة - في تصميم المواقف التعليمية المختلفة، وخاصة الحقيقية منها والاجتماعية. ويؤكد أصحاب النظرية البنائية على توفير بيئة تعلم واقعية، يكتسب الطلاب من خلالها المعرفة، وأن تكون هذه البيئة مناسبة لأهداف التعلم، كما أن انتقال التعلم يعتمد - بشكل كبير - على مدى اتفاق المهام التعليمية مع الأوضاع الحياتية ذات العلاقة بموضوع التعلم, وتنمية الفرد مستمدة من التفاعلات الاجتماعية التي هي ضمن المعاني الثقافية المشتركة للفريق والمنضوية في نهاية المطاف من قبل الفرد.
اتخذت العوالم الافتراضية، و بيئات 3D البصرية، في بداياتها شكلا من أشكال الألعاب عبر الإنترنت، إلا أنها بدأت تتخذ شكلا من أشكال التواصل الاجتماعي منذ منتصف 1990 . المشاركون في عوالم افتراضية يستنسخون صورة عن أنفسهم تسمى أفاتار، يعيشون مع هذا الأفاتار بشخصية هم من يقوم بعملية ابتكارها. هذه الشخصية والتي تصبح مع الوقت جزء منهم, تولد لديهم قناعات بأنهم هم هذه الشخصية التي تتحرك أمامهم على الشاشة . وقد يصل التماهي مع الشخصية المستنسخة إلى أبعد الحدود بحيث تعكس أفعال الشخصية الحقيقة أثناء التعاملات مع المستنسخين الآخرين في الحياة الثانية.
تستخدم العوالم الافتراضية الأنشطة التعليمية بشكل متزايد. يختبر المتعلمين بيئة جديدة من أجل خلق فضاءات التعلم داخل تلك العوالم حيث يمكن للطلاب المتمثلين في شخصيات وأفاتارات التواصل مع غيرهم من الطلاب ومعلميهم. ويمكن إجراء الندوات وإلقاء محاضرات وعرض المناقشات - كل ذلك ضمن حدود العالم الافتراضي. وعلاوة على ذلك، فإن التكنولوجيا تعطي القدرة على خلق بيئة محاكاة تسمح للطلاب القيام بالأعمال التي لن يكون ممكنا أو مرغوبا فيها في العالم الحقيقي. كما يمكن للطلاب الاضطلاع بمهام وأنشطة في مكان آمن تتم السيطرة عليه، حيث يمكنهم الإحساس بالاستقلالية والمسؤولية عن أفعالهم - وحيث يمكن متابعتهم وإرشادهم.
استخدام الحياة الثانية الافتراضية كبيئة للتعليم أصبحت الظاهرة المشتركة بين العديد من المؤسسات والمنظمات التعليمية التي أسست بالفعل جامعاتها وكلياتها الافتراضية وتعقد بالفعل الدروس الافتراضية في الحياة الثانية مستخدمة منصة التعلم التي يمكن أن تجمع ما بين الرسومات التفاعلية و محاكاة والتكنولوجيا، والواقع الافتراضي، والدردشة , والوسائط الرقمية الغنية. التعليم في الحياة الثانية Second Life يعطي المشاركين شعورا بالتواجد في مكان التعلم متحديا كل العقبات التي قد تحول هذا التواجد في البيئة الحقيقية.
الكثير لازال يعتقد أن الحياة الثانية، العالم الافتراضي ليس إلا بيئة خصبة للمقامرة والمواد الإباحية. لن ننفي وجود القمار والكثير من المواد والمنتجات التي تساعد على وجود الإباحية وليس من العدل التركيز على هذا الجانب ونسيان أن البيئة الافتراضية في الحياة الثانية قد أوجدت العصر الذهبي للتعليم.
دواعي استخدام الحياة الثانية في التعليم:
- التعاون :Collaboration يمكنك التواصل مع العديد من الأفراد والمؤسسات من جميع أنحاء العالم يشاركونك الاهتمام في حقول مختلفة.
- إلغاء الحدود :Without boundaries يمكنك العمل مع الناس من دون حدود (سواء الزمنية أو الجغرافية).
- التفاعل Interactivity: يري الكثير أن الحياة الثانية second life أفضل من التعلم عبر مؤتمرات الفيديو كونفرانس videoconference لأنه يمكنك استخدام أشرطة الفيديو، والعروض والصور والمواقع الخارجية في نفس الوقت في مكان واحد. مما يعني أنه يمكنك بسهولة إنشاء وصلات بين النشاط في العالم وموارد المعلومات في العالم الحقيقي.
- الدعم Support: يمكنك بسهولة العثور على الناس الذين يعانون نفس المشاكل، و الالتقاء بهم، ومناقشة المشاكل الخاصة بك، والاستماع إلى الخبراء الذين يحضرون في الحياة الثانية.
- التعلم Learning: في بعض المجالات، لا نجد أحيانا سوى عدد قليل من الخبراء في بعض الموضوعات التي تعنينا ونهتم بها وقد يكون ليس من السهل للعثور عليهم في الوقت المحدد. ولكن في الحياة الثانية ، يصبح من الممكن.
- البحث :Search يمكنك القيام بعمليات البحث في مجلات أو يمكنك تصفح العديد من الكتب المتواجدة في المكتبات الافتراضية.
- المعارض Exhibits: حيث يمكنك إقامة المعارض أو اللقاءات المرئية أو مؤتمرات الفيديو.
التدريب والمحاكاة Training and Simulation: مع إمكانيات العالم الافتراضية يمكن إنشاء التجارب الافتراضية المحاكية للواقع تماماً ويستطيع المتدرب الدخول بهذه التجربة أو السيناريو المصمم حسب طبيعة الغرض وهذا يفيد جداً في نقل الواقع الميداني إلى واقع افتراضي مما يعطي المتدرب خلفية كبيرة جداً عن الواقع الحقيقي قبل النزول إليه وتستخدم مثل هذه المحاكاة كثيراً قبل التدريبات الميدانية مثل (العمليات الجراحية – القطاعات العسكرية – الدفاع المدني – التجارب العملية) وإليك بعض الأمثلة :
- مركز مايرز آن الطبي Ann Myers Medical Center
مركز التدريب الطبي الافتراضي حيث يوفر فرصة فريدة لإيجاد طرق جديدة في تدريب طلاب الطب. يمكن هذا المركز الطلاب والمتدربين من معرفة المزيد عن الحالات الطبية مع الصور، والفيديو، وقصص المرضى والمواقع الخارجية ومناقشة هذه القضايا مع طلاب الطب والأطباء من مختلف أنحاء العالم.
- جزيرة الجينومية Genomic Island مصطلح الجينوم genome هو مصطلح جديد في علم الوراثة يجمع بين جزئي كلمتين إنجليزيتين هما gen وهي الأحرف الثلاثة الأولى لكلمة gene التي تعني باللغة العربية المورث (الجين)، والجزء الثاني هو الأحرف الثلاثة الأخيرة من كلمة chromosome وهي ome وهي تعني باللغة العربية الصبغيات (الكروموزومات)، أما الدلالة العلمية لهذا المصطلح فهي للإنسان: الحقيبة الوراثية البشرية القابعة داخل نواة الخلية البشرية وهي التي تعطي جميع الصفات والخصائص الجسمية والنفسية. يعمل Max Chatnoir جاهدا لخلق مثل هذه الجزيرة مثيرة للاهتمام ومفيدة المكرسة كليا لتعليم علم الوراثة وعلم الجينوم، عدة طوابق مع الاختبارات الجينية، والصور، والتجارب الظاهري والنصوص وأشرطة الفيديو والكثير من الروابط على الموارد الجينية
- جامعة دريكسل Drexel University: يتوفر في جامعة دركسل الافتراضية العديد من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين يستخدمون منصات افتراضية لتوسيع تجربة التعليم. على هذه المنصة - حيث كل شيء ممكن – مكتبة تمكن الطلاب من استكشاف سبل جديدة لدعم البرامج الأكاديمية والبحثية وتعزز فرص تعلم الطالب، على أي حال جامعة هارفارد وستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا هي من بين الجامعات التي بادرت باستخدام الحياة الثانية كوسيلة تعلم.
- كما يحظي تعلم اللغات الكثير من الاهتمام في الحياة الثانية حيث يتوافر كم هائل من الدروس التعليمية للغات متعددة كالإسبانية والإنجليزية والفرنسية والألمانية ومن المؤكد يوما ما وفي القريب سيكون هناك دروس تعلم اللغة العربية.
أسباب اختيار الحياة الثانية كنموذج للتعليم الافتراضي:
- تحظى الحياة الثانية في الثلاث سنوات الأخيرة بالشعبية الأكبر بين المعلمين والمتعلمين، كما أن المؤسسات والتجمعات التعليمية تتزايد وتنمو يوميا بحيث أصبح عدد المؤسسات التعليمية بالفعل عدة آلاف.
- الحياة الثانية ليست لعبة مثل World of Warcraft فهناك لا توجد قواعد اللعب ولا توجد مستويات يجب أن تحققها ولا يوجد نقاط أو أي أدوار محددة سلفا. على العكس من ذلك، الحياة الثانية تم تصميمها لكي تكون مجتمع مفتوح قدر الإمكان مع الخضوع لبعض المتطلبات القانونية في ولاية كاليفورنيا التي فرضت بعض القيود (على سبيل المثال، القمار غير مسموح، وليس هناك أي بنوك).
- يمكن لأي شخص دخول الحياة الثانية مجانا، ,ولديه الحرية بعد ذلك في دفع المال مقابل شراء الملابس أو المنتجات الافتراضية الأخرى – الحياة الثانية توفر العديد من الملابس والأدوات المجانية وهو ما يطلق عليها (freebee) وهذا يجعل من الحياة الثانية نقطة انطلاق فعالة من حيث أن التكلفة عنصر جذب وفعال ويعمل على تشجيع الآخرين على القيام بذلك.
- الحياة الثانية لديها اقتصاد حقيقي، وذلك باستخدام ليندن دولار (Linden Dollars ) والتي يمكن تحويلها بحرية إلى الدولار الأمريكي. هناك بعض الاستخدامات التعليمية المعينة، كما هو الحال في برامج إدارة الأعمال، ترتبط ببعض التدريبات التي تحمل الوعود بتمكين الطلاب لإقامة مشروع تجاري حقيقي، ويتبع ذلك اتخاذ قرارات واقعية كل ذلك ضمن بيئة آمنة ''، حيث المخاطر المالية ضئيلة.
- الحياة الثانية مجتمع مفتوح يوفر بيئة مواتية للقاء المقيمين هناك مع غيرهم من الناس الذين لولا هذا المكان الافتراضي لا يلتقيان أبدا في الواقع. من الممكن بالطبع أن هذا العامل في بعض الأحيان يسبب بعض الصعوبات وخاصة أنه هناك بعضا ممن هم متواجدون في الحياة الثانية لا يسلكون سلوكا مهنيا، والذي قد يكون مدعاة للقلق بالنسبة للمتعلمين. في حين أن هناك الكثير من المزايا المحتملة التي تمكن المتعلمين من الاستفادة منها كالالتقاء بالمختصين والخبراء مما يتيح الفرص التعليمية.
قد لا تكون الحياة الثانية على النحو المتقدم تقنيا والذي تحظى به برامج افتراضية أخرى، وهذا يمكن أن يسبب أحيانا بعض الاستياء، وخصوصا من جانب بعض المواطنين الرقميين. ومع ذلك، هناك مجتمع قوي من المطورين والمبرمجين الذين يعملون على تبسيط واجهة البرنامج للحصول على أعلى درجة من التكامل مع الأنظمة والبرامج الأخرى من ناحية أخرى تكون داعمة وعلى قدر كبير من المساعدة للمتعلمين الجدد.
إعداد: هيـام حـايك- كاتبة بمدونة نسيــج
المصادر:
http://www.theguardian.com/education/2007/may/08/students.elearning
http://ammc.wordpress.com/page/2/